الجمعة، 15 يناير 2010

الداعية يدعو إلى الله في كل الأوقات و في جميع الأحوال والظروف

الداعي يدعو إلى الله في كل وقت وفي جميع أحواله وظروفه:
إن الدعوة إلى الله واجب على المسلم فهو يؤديه بهذا الاعتبار... وواجب الدعوة إلى الله ليس له وقت محدد كالصلاة والصيام، ولهذا فان هذا الواجب يؤديه المسلم في جميع الأحوال والظروف وفي كل وقت يتيسر له فيد أداؤه، قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا... ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } سورة نوح الآية: 5، 9، وكذلك كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (يدعو قومه ليلا ونهاراً وسراً وجهاراً ولم يشغله شيء عن الدعوة إلى الله تعالى)
والواقع أن الداعي إذا كان صادقاً في دعوته منشغلاً بها لا يفكر إلا فيها ولا يتحرك إلا من أجلها ولا يبخل عليها بشيء من جهده ووقته، لم يشغله عنها شاغل أبداً حتى في أحرج الساعات وأضيق الحالات وأدق الظروف، وهكذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقي في طريق بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فيما بين مكة والمدينة، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا وهذا يدل على انه عليه الصلاة والسلام لم يغفل عن الدعوة إلى الله حتى وهو في طريقه مهاجراً إلى المدينة والقوم يطلبونه.
ويوسف عليه السلام عندما دخل السجن مظلوماً لم يشغله السجن وضيقه عن واجب الدعوة إلى الله ولهذا فقد اغتنم سؤال السجينين عن رؤيا رأياها، فقال لهما قبل أن يجيبهما ما أخبرنا الله به { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } سورة يوسف الآية: 39، 40
المطلوب من الداعي أن يدعو إلى الله، وهذا هو الواجب عليه، وليس المطلوب منه أن يستجيب الناس، قال تعالى: { َمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } سورة العنكبوت الآية: 18، فإذا كان الرسول غير مكلف إلا بالتبليغ فغيره من آحاد الأمة أولى أن لا يكلف بغير التبليغ. وتعليل ذلك من وجهين: الأول: أن القاعدة الأًصولية تقول: إن الإنسان لا يكلف بفعل غيره أي لا يكلف أن يفعل غيره فعلا معيناً أو يترك فعلاً معيناً، لأن هذا من قبيل تكليف ما لا يطاق، وإنما يكلف الإنسان أن يفعل هو فعلا معيناً يتعلق بغيره وقد يحمله على الفعل، كالدعوة إلى الله، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمسلم مطالب ومكلف بأن يأمر بالمعروف، وقد يستجيب المأمور فيكون أمر الآمر سبباً لفعل المأمور وقد لا يستجيب المأمور، ولهذا مدح الله تعالى أحد أنبيائه بأنه { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } سورة مريم الآية: 55، فالذي يملكه المسلم ويكلف به أن يأمر غيره بالمعروف ويدعوه إلى عبادة الله ولا يكلف بأن يفعل الغير فعلا معيناً.
الوجه الثاني: إن الاستجابة والهداية بيد الله وحده، فهو الهادي { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ...} سورة المدثر الآية: 31، ولله الحجة على عباده، ولو شاء لهداهم أجمعين، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
أما هداية التبليغ والبيان والدعوة فهي للرسل ولسائر الدعاة، فهم المكلفون بها، قال تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } سورة الشورى الآية: 52، مع قوله في آية أخرى { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } سورة القصص الآية: 56.

وإذا كان المطلوب من المسلم أن يدعو إلى الله وليس المطلوب منه أن يهدي الناس، فعليه أن يستمر على الدعوة بلا كلل ولا ملل ولا فتور لأن واجبه البلاغ والتبيين وهذا متعلق به فعليه أن يؤديه كما يؤدي سائر العبادات، وان لم يستجب له أحد، ألا ترى أن نوحاً عليه السلام لبث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً؟
وهكذا كان رسل الله يدعون أقوامهم مدة حياتهم فمنهم من استجاب له قومه أو بعضهم ومنهم من لم يستجب له أحد. وقال الإمام النووي: "لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فان الذكرى تنفع المؤمنين فإن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول"0
ووجه الدلالة بهذا القول أن الدعوة إلى الله في رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيسري عليها معنى هذا القول.
ومما يؤكد وجوب الاستمرار على الدعوة إلى الله حرمة اليأس، واحتمال الإجابة، لأن الأمور بيد الله وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فلا يستطيع الداعي أن يقطع بعدم الإجابة فيجب عليه الاستمرار بالدعوة والوعظ والإرشاد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.