الاثنين، 23 مايو 2011

هيا إلى التفوق حسن شلبي


الأدعية القرآنية ووقت الفجر والنية

- التحكم في الانفعالات والخرائط الذهنية

- المراجعة وساعات النوم

- لا للوجبات الدسمة والمنبهات

- ليلة الامتحان.. مراجعة التعريفات والمصطلحات


تحقيق: إسلام عادل

"يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان" كلمة تتردد في مثل هذا الوقت من العام؛ لوصف الحالة التي تمر بالطلاب، فبعضهم تنتابه حالة من القلق والإرهاق الشديد والتعب، وقد يلجأ بعض الأشخاص إلى أساليب غير صحية حتى يستطيع أن يقوم بتحصيل أكبر قدر ممكن من الكمّ المراد مذاكرته مثل القيام بتناول بعض العقاقير أو المنشطات غير الصحية، ولكلِّ طالب أسلوب ومنهج في الدراسة يختلف عن الآخر، ولكنهم جميعًا اتفقوا على ضرورة التحصيل والتفوق كل على حسب طريقته.



وللطالب الجامعي المتفوق وصفات خاصة للمذاكرة خلال فترة الامتحانات، وتنوعت تلك الطرق ما بين التقرب إلى الله، واتباع خطوات لتنظيم عملية التفكير، والتحكم في الانفعالات ومشاعر القلق والخوف، والابتعاد عن الوجبات الدسمة والمنبهات، والمراجعة بطريقة معينة، وتقليل ساعات النوم وغيرها.



(إخوان أون لاين) التقى بعض الطلاب المتفوقين من مختلف الجامعات، لتقديم "برشامة" للطالب الجامعي تعينه على مواصلة وإتمام فترة المذاكرة، والمراجعة النهائية قبيل الامتحانات بسهولة.. فإلى التفاصيل.



الأدعية القرآنية

يوضح حاتم علي "الطالب بكلية الطب جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا" أنه يقرأ بعض الأدعية قبل بدء المذاكرة مثل: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)﴾ (طه)، كما يقوم بالمذاكرة الجادة طوال العام من الكتب المعتمدة، ليأتي قبل وقت الامتحان ويقوم بالتدقيق على الموضوعات والنقاط الهامة داخل المنهج، مع الاستعانة ببعض الأغذية والمشروبات التي تمدُّ الجسم بالطاقة اللازمة للتركيز.



خرائط العقل

ويقول محمد زناري "الطالب بكلية الهندسة فرع المطرية" إنه خلال الفترة ما قبل الامتحانات يحاول التخفيف من المأكولات على قدر المستطاع، حتى يبقى أكبر وقت ممكن يقظًا ليستطيع مواصلة المذاكرة، موضحًا أنه يتبع خلال مذاكرته طريقة خرائط التدفق للعقل أو الخرائط الذهنية بحيث تكون الأفكار والموضوعات في تنظيم دماغي لتوفير الوقت والجهد.



ويشير زناري إلى أنه لا بد للطالب أن يكون على صلة وثيقة بالله "فمن عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة"، مؤكدًا على ضرورة المداومة على حصة يومية من الآيات القرآنية، وبدء المذاكرة بالأدعية المأثورة، موضحًا أنه يميل لبدء المذاكرة عقب صلاة العشاء وحتى الفجر، ويقوم إلى الصلاة وبعدها يتجه إلى النوم.



لا للقلق.. وآية الكرسي

وتقول بسمة ياسر "الطالبة بكلية التجارة جامعة القاهرة" إنها تتعامل بطريقة عادية جدًّا في أوقات الامتحانات، وإنها لا تحاول ترويع نفسها أو إصابتها بالقلق، كما أكدت أنها تبدأ مذاكرتها بمجموعة من الأدعية والآيات خاصة "آية الكرسي" حتى تعينها على المداومة، مشيرة إلى أنها تقوم بمراجعة المنهج أكثر من مرة لتثبيت المعلومة.



وتنصح بسمة بضرورة البعد عن الحفظ والتركيز على الفهم؛ لأن ذلك يثبت المعلومة أكثر، وقالت إنها تلجأ أحيانًا لشرب المنبهات كالشاي و"النسكافيه" رغم علمها بخطورتها مع التركيز على المذاكرة بالنهار، بعد أخذ قسط وافر من النوم.



المراجعة النهائية

ويقول عمر حسنين "الطالب بكلية الطب جامعة عين شمس" إنه يبدأ المذاكرة قبل الامتحانات بما يقرب الشهر، ويقوم في هذه الفترة بمحاولة تحصيل 70% من محتوى المنهج، بمطالعة أولية للموضوعات المطلوب مذاكرتها بشكل عام، ثم التدقيق والتكرار ليقوم بمراجعة المنهج مرتين قبل الامتحانات بـ4 أيام يقوم بحيث إنه يقوم بمراجعة المنهج كله في أول 3 أيام، ثم يقوم بالتركيز على النقاط الهامة في اليوم الرابع.



ويتفق مع باقي الطلاب على ضرورة ترديد الآيات والأدعية قبل بدء المذاكرة، وقراءة صفحة أو أكثر من القرآن الكريم قبل كل فترة مذاكرة، وبعض الأدعية المأثورة، داعيًا باقي زملائه لضرورة تجنب الإفراط في الأكل وعدم التركيز على الأكلات الدسمة؛ لأنها تستهلك الكثير من الدماء؛ ما يجعلها تقل في منطقة المخ، ويصاب الإنسان بالإرهاق والرغبة في النوم.



كما ينصح أيضًا بالتركيز على الوجبات الخفيفة مع الإكثار من عددها، كذلك تناول مجموعة من الفيتامينات والمعادن الصحية التي تساعده على التركيز، بجانب الإكثار من المشروبات المنبهة التي قد تصل إلى 4 أكواب من القهوة يوميًّا.



وقت الفجر

ويضيف أحمد إبراهيم "الطالب بكلية التجارة جامعة حلوان" أن الوقت الأنسب للمذاكرة هو بعد صلاة الفجر مباشرة؛ نظرًا للبركة التي تكون في مثل هذا الوقت من اليوم، مؤكدًا أن الحد الأدنى من المذاكرة هو 7 ساعات يوميًّا ولا بد ألا تقل سعن ذلك مع السماح لبعض أوقات الراحة البينية، كما قال إنه لا يتناول أي مشروبات منبهة في هذه الفترة، مؤكدًا ضرورة الحصول على التغذية المناسبة حتى يحصل الجسم على الطاقة الكافية لمداومة الاستذكار.



ويوضح أنه يقوم بقراءة ربع كامل من القرآن الكريم قبل بدء المذاكرة وتلاوة "دعاء المذاكرة" لاستحضار روح من الأريحية للنفس قبل المذاكرة، ونصح أحمد جموع الطلاب بضرورة الخروج في رحلات ترفيهية بسيطة بعد كل امتحان؛ لإدخال السرور على القلب كوسيلة لمواصلة مراجعة المواد التي تليها في جدول الامتحانات براحة نفسية.



تجديد النية

ويقول الطالب محمد موسى "الطالب بكلية الطب جامعة عين شمس وأول دفعته" إنه لا بد وقبل أي عمل من تجديد النية لله سبحانه وتعالى؛ لأنها تعتبر الجزء الأساسي لنجاح أي عمل، وفيما يخص الأوقات اللازمة للمذاكرة قال إنه لا يوجد وقت معين للمذاكرة ولكن الوقت المناسب هو ذلك الذي يكون فيه الطالب في أريحية تامة بحيث يكون قد حصل على القسط الوافر من النوم ويكون قد تناول التغذية المناسبة لجلب الطاقة اللازمة، موضحًا أنه يفضل وقت المذاكرة بعد صلاة الفجر مباشرة.



الترفيه.. والإنترنت

وشدد موسى على ضرورة وجود أوقات ترفيهية بين أوقات المذاكرة، مشددًا على ضرورة الابتعاد عن شبكة الإنترنت وخاصة المواقع الاجتماعية؛ نظرًا لأنها تجذب الطالب وتقوم بتضييع واستهلاك الوقت والجهد ولكن يكتفي بالرياضات الخفيفة كالتمرينات وغيرها.



ونصح الطلاب بالقيام بوضع جدول شامل لتنظيم اليوم بأكمله من بداية النهار وحتى منتصف الليل؛ لضمان عدم ضياع أي دقيقة، كما شدد على أهمية وجود جدول داخلي يقوم بتنظيم المذاكرة نفسها، منبهًا إلى ضرورة وضع مدة زمنية لكلِّ صفحة تتم مذاكرتها ولتكن 5 دقائق للصفحة.



الاختصارات.. والوجبات

وأوضح موسى أن هناك طرقًا كثيرةً للتغلب على صعوبة الحفظ مثل طريقة "الاختصارات" والتي تقوم على أن يقوم الطالب بحفظ أول كلمة من كلِّ جملة حتى تساعده على تذكرها مرة أخرى، مشددًا على أهمية الابتعاد عن المشربات المنبهة، خاصة القهوة، ولتكن هي آخر خيار يتبناه الطالب عند المذاكرة مع تناوله العديد من الوجبات الخفيفة والابتعاد عن الدسمة؛ لأنها تسبب الشعور بالنعاس، ولا مانع أن يتناول القهوة بعد إتمام المذاكرة حسب الجدول الموضوع عن ذي قبل.



الساعات الأخيرة.. والنوم


د. نصر رضوان



ويقول الدكتور "نصر رضوان" الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة: إن الساعة الآن تقترب من ساعة الصفر، وعلى الطالب تكثيف جهوده من أجل المراجعة وليس التحصيل، كما أفرد عدة نصائح للطلاب منها: أن يقوموا بالمراجعة بقلوب مطمئنة قاصدين بذلك القرب من الله تعالى في هذه الأوقات، كما أكد أنه لا بد للطالب من الحفاظ على نظام ثابت في النوم والاستيقاظ، مطالبًا بتقليل ساعات النوم ولتكن 4 ساعات يوميًّا، وأن هذا ليس بالأمر الشاق إذا اعتاد عليه الطالب.



الأحماض الأمينية

ويضيف رضوان أن الطالب لا بد له من اتباع نظام غذائي يساعده على الاستذكار والاستيعاب، مشددًا على ضرورة البعد عن الوجبات الدسمة والتركيز على الخفيفة؛ نظرًا لأنها تستهلك الكثير من الدماء داخل الجهاز الهضمي، وهو ما يجعل تدفق الدم إلى المخ يقل، مع ضرورة التأكيد على المأكولات ذات الأحماض الأمينية: مثل الأجبان وغيرها؛ لأنها تساعد الطالب على الاستيعاب، كما نصح بضرورة الإكثار من السوائل خاصة العصائر ذات السكريات العالية.



أما فيما يخص الشق الأكاديمي فأشار رضوان إلى أنه في ليالي المراجعة لا بد من التأكيد على مراجعة العناوين والتعريفات والمصطلحات فقط، وألا يضيع الطالب وقته في الاستذكار والتحصيل من جديد.

الأحد، 15 مايو 2011

التنمية في القرآن والسنة :


إن إسلام وضع للتنمية حسابا خاصا فجعلها في حكم الواجب وذلك من تفسير الآية ” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَ“ هود:61) . فالسين والتاء تفيد الطلب المطلق من الله للناس في سبيل الوجوب لإعمار الأرض فالآية تؤكد على وجوب عمارة الأرض ؛ واستعمركم فيها يعني أمركم بعمارتها بما تحتاجون إليه . كما قال الجصاص أن ذلك فيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغرس والأبنية "( )0 والطلب المطلق من الله تعالى يكون على الوجوب"( ). فاستعمركم فيها أي جعلكم عمارها وسكانها .
قال مجاهد : ومعنى استعمركم أعمركم من قوله أعمر فلانا داره فهي له عمري . وقال قتادة : أسكنكم فيها . وقال الضحاك : أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار , وقيل المعنى : ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار . وقال ابن العربي : قال بعض علماء الشافعية : الاستعمار طلب العمارة ، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب . فقوله تعالى استعمركم فيها، خلقكم لعمارتها .( )
وقال الشوكانى فى فتح القدير : هو أنشأكم من الأرض أي ابتدأ خلقكم من الأرض لأن كل بني آدم من صلب آدم وهو مخلوق من الأرض ، واستعمركم فيها أي جعلكم عمارها وسكانها .( )
ويقول الزمخشري في الكشاف هو أنشأكم من الأرض : لم ينشئكم منها إلا هو ولم يستعمركم فيها غيره ، وإنشاؤهم منها خلق آدم من التراب ، واستعمركم فيها أمركم بالعمارة ، والعمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه , وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى إليه إنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي ( ).
ولقد استخدم على بن أبى طالب لفظ العمارة للدلالة على معنى أعمق للتنمية الاقتصادية بمفهومها المعاصر في خطابه لواليه في مصر مالك بن الحارث الأشتر : جاء فيه : " وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب خراجها ، لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة . ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ، ولم يستقم أمره إلا قليلاً ، " ( ).
كذلك استخدم قاضي القضاة " أبي يوسف " لفظ العمارة في نصيحته لأمير المؤمنين هارون الرشيد جاء فيها : " إن العدل وإنصاف المظلوم ، وتجنب الظلم مع ما في ذلك من الأمر ، يزيد به الخراج ، وتكثر به عمارة البلاد " . وكذلك فأن "أبو يوسف" في كتابه (الخراج) جعل الإعمار والتنمية في مقابل الخراب , والفساد ونادي بدور متقدم للدولة في العمران . كما دعا إلى تقاسم تكاليف (النمو) بين الفرد والدولة من أجل تخفيف كاهل التنمية ، وسحب المواطن عن الكسل والإتكال ، والدفع به للمساهمة في دور عمراني مع بقية أفراد المجتمع .( )
ويرى " الماوردي " : أن من مستلزمات السلطان عمارة البلدان باعتماد مصالحها وتهذيب سبلها ومسالكها . غير أنه يلزمها بالعدل ، حيث ينعدم نجاح المشروع الإنمائي إذا لم يصطبغ بالعدل الشامل الذي يعمر البلاد وينمي الأموال ( ).
ويقول المقريزى : " عندما يتقلص العدل مع هيمنة الفساد والحبور والاغتصاب في كل مواطن الحكم والإدارة يتوقف الإعمار وتحدث الأزمات ويحل البوار بالديار "( ) .
ويقوم مفهوم عمارة الأرض في الإسلام على شرط الخلافة في الأرض , وتبعية الاستخلاف تعني تسخير الموارد الطبيعية (الأرض ) للإنسان ليعمل على إنتاج السلع والخدمات لخدمة الخلق المستخلفين . وتمكين الإنسان من هذه السلع والخدمات ، تمكين استعمال أو ملكية انتفاع ، وعمارة الأرض لا تقوم إلا بالعمل لان العمل هو شرط الملكية . وكل عمل ابن آدم محاسب عليه.
والإنسان في الإسلام محور العملية التنموية فجعله قيمة حقيقية عندما استخلفه في الأرض بما لديه من قدرات ذهنية وجسدية، قال تعالى: ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً” (البقرة:30)، لذلك فإن على الإنسان أن يغير وينمي ولا يتنظر المفاجآت الكونية والنمو الطبيعي ،قال تعالى: ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الأنفال:52)، لذا فإن على الإنسان العمل بجد لعمارة الأرض .
كما ارتبطت التنمية في الإسلام بالقيم والأخلاق الحميدة من مساواة وعدل وعدم الإسراف وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات:31)
وقد حث الإسلام على السعي من اجل التنمية ،قال تعالى:” وان ليس للإنسان إلا ماسعى“ ودعا الإسلام للعمل من أجل التنمية والعمارة ، قال تعالى:” فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” ( الملك:15)، وقد ظهر ذلك من قصة الرسول مع صاحب اليد الخشنة عندما سلم الرسول صلى الله عليه وسلم على رجل فلمس يده خشنة فقال له الرسول " إن هذه اليد التي يحبها الله إن هذه اليد لن تمسها النار"0
وقد ركز الإسلام في تعاليمه على التنمية و العطاء من أجل تحقيق التنمية و إعمار الأرض، وذلك من خلال العمل الجاد بدلاً من انتظار الإحسان، و يتبين ذلك من خلال العديد من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ومن بينها: ما رواه البخاري عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه". و قول الله تعالى" و أن ليس للإنسان إلا ما سعى".
و قد قال عمر بن الخطاب " السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة." فيحث الإسلام على العمل الجاد و يعتبره عبادة فهو جزء لا يتجزء من الدين، فكل مسلم مطالب بأن يعمل، لتنمية المجتمع المسلم والارتقاء والعلو بشأنه 0
كما تعد الزكاة أحد الوسائل التي من خلالها يتم تحقيق التنمية في الإسلام، ففي العصور الإسلامية الماضية كانت تجمع الزكاة في بيت المال وتوزع بالعدل و لم تكتفي بسد الاحتياجات الأساسية للفقراء بل كانت تستخدم لتوفير وسائل العمل و كسب الرزق، فدور الزكاة لا يقتصر على توزيع الأموال على الفقراء، بل كانت تستخدم لإنشاء مشروعات للفقراء، و بهذا تعد الزكاة وسيلة هامة لخلق فرص عمل، و لكننا نجد الآن أن الزكاة و غيرها من أشكال العطاء الديني , و العطاء الاجتماعي توجه فقط لسد الاحتياجات الأساسية , ولا تهتم بتحقيق التنمية مما أدي إلى استمرار حالات الفقر, و العديد من المشاكل الاقتصادية0
ولقد حدد الله رسالة الإنسان في الأرض بقوله تعالى: " هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود:61) ويتم الإعمار المطلوب بالتنمية المتواصلة و السعي الدءوب في الأرض . ( (و قد أصبح هذا السعي من أهم أولويات هذا العصر و خاصة أن مشكلات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه المجتمعات المعاصرة.
و قد جاء الإسلام ليحارب السلوك السيئ مثل الكسل و الاتكالية و عدم السعي الذي ينتج عنه التخلف, و الفقر لبناء كيان اقتصادي , و اجتماعي , و استقلال سياسي يتجاوز الواقع المتخلف ( ) 0
حاول بعض الكتاب استنباط مفهوم للتنمية في الإسلام، استنادًا إلى نصوص أو معان قرآنية :
فقيل إن التنمية هي طلب عمارة الأرض، وذلك من قوله تعالى { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ( هود الآية 61 )
وقيل إن التنـمية تعــني «الحياة الطيبة»، إشارة إلى معنى الآية الكريمة { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل:97].
وقيل هي نقل المجتمع من الوضع الذي لا يرضاه الله، إلى الوضع الذي يرضاه0
والتنمية بالمعنى المعاصر يقصد بها زيادة الموارد عن طريق كثرة الإنتاج و تقليل النفقات , و يستخدم هذا المصطلح كثيرا في الدراسات الاقتصادية كما يستخدم بصورة أكثر تحديداً عن طريق ربطها بالمجالات المختلفة كمصطلح التنمية الاقتصادية و الاجتماعية, و السياسية و الزراعية ( )
و التنمية يجب أن تكون تنمية متواصلة و مستمرة يستفاد منها الأجيال المقبلة ( ) و هي عملية حضارية تمثل نقله جذرية في الشكل و المضمون على المجتمع ككل, و ليست فئة معينة به, و هذه العملية الحضارية تمتد إلى كل المجالات مثل الاقتصاد , و السياسة, و الإدارة و الثقافة. ( )
ونظرً لأهمية التنمية، والسعي الحثيث لتحقيقها في واقع المجتمعات الإنسانيّة، ولاسيما المتخلفة منها، فإنّ «مفهوم التنمية أصبح عنواناً للكثير من السياسات والخطط والأعمال، على مختلف الأصعدة، كما أصبح هذا المصطلح مثقلاً بالكثير من المعاني والتعميمات، وإنْ كان يقتصر في غالب الأحيان على الجانب الاقتصادي، ويرتبط إلى حدّ بعيد بالعمل على زيادة الإنتاج الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الاستهلاك، لدرجة أصبحت معها حضارات الأمم تقاس بمستوى دخل الفرد، ومدى استهلاكه السنوي للمواد الغذائية والسكنية بعيداً عن تنمية خصائصه ومزاياه وإسهاماته الإنسانيّة، وإعداده لأداء الدور المنوط به في الحياة، وتحقيق الأهداف التي خلق من أجلها»( ).
ونجد أنّ هذه النظرة المادية لعملية التنمية قد استقرت في عقول معظم شعوب العالم الإسلامي، وسيطرت على تفكيرهم، نتيجة الهيمنة الغربية، وسيطرة ثقافتها لذا وجب علينا أن نعرف وندرك ما هي التنمية في الإسلام ونحدد مفاهيمها .
ونجد أنّ مفهوم التنمية ليس بثابت ولا بمتفق عليه، بل كلٌ يتناوله من الزاوية التي هي محل اهتمامه، بحيث يقصر نظره في العملية التنموية من خلال اختصاصه.
وهذا ما يدعونا إلى محاولة تقديم مفهوم للتنمية يتماشى مع المنظور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، وذلك بالاعتماد على المصادر الأساس لشريعة الإسلام.

التنمية من منظور إسلامي :

- التنمية في الإسلام:
من تعريف التنمية بالمفهوم السائد يكشف عن استناد هذا التعريف إلى الرؤية الكونية المادّية وانتهائه إلى هذه المرجعية. على أساس هذه الرؤية الكونية والمرجعية الفكرية لا يمكن للتنمية تجاوز دائرة الواقع المادّي مهما كان حجم الأشخاص الذين يُضاف إليها.
بيد أنّ الأمر يختلف في إطار المرجعية الفكرية للإسلام؛ ففي إطار الرؤية الكونية الإسلامية يُنظر إلى الإنسان كموجود يتكوّن من جسم وروح، له بالإضافة إلى الاحتياجات المادّية متطلّبات معنوية، ومن ثمّ فإنّ حياته لا تنحصر بين جدران الحياة في هذه الدنيا، وإنّما هو موجود أبدي تختلف مراحل حياته.
والإسلام في نفسه هو منهج للتنمية والتكامل، وبرنامج لتأمين الاحتياجات المادّية والمعنوية، ومشروع لإشباع البعدين الدنيوي والأخروي للإنسان، بحيث تستطيع الإنسانية من خلال ذلك أن ترتقي إلى مصافّ المجتمع الإنساني‏السعيد والمثالي0
ولقد سبق الإسلام كل فكر متقدم في معالجة قضايا التنمية، وان لم يكن مصطلح التنمية موجود بلفظه ألا أن القرآن الكريم لم يستخدم مصطلح النمو أو التنمية ، ولكن في كثير من نصوصه القرآنية والسنة النبوية وكتابات علمائه، يوجد العديد من المصطلحات التي تدل على النمو أو التنمية والتي منها : "التعمير و العمارة و الحياة الطيبة و التثمير والابتغاء من فضل الله ، والسعي في الأرض ، وإصلاح وإحياء الأرض وعدم فسادها ، والحياة الطيبة ، والتمكين . ويعتبر مصطلح العمارة ، والتعمير من أصدق المصطلحات تعبيراً عن التنمية الاقتصادية في الإسلام ( ) .
فمصطلح التنمية يقترب من مصطلح العمران في الاقتصاد الإسلامي فلقد جاء في الإسلام لفظ "عمارة الأرض" كمفهوم ذو دلالة أوسع من المفهوم الوضعي للتنمية التي تنحصر في الإنتاج المادي وتغفل الحاجات الروحية, ويختل فيها التوزيع ، ولا يتمتع كل الأفراد بحد الكفاية في الدخل ( ).
فالعمران يعني :" العمل بشرع الله لتحقيق الكفاية والكفاءة للجميع للوصول إلى نمو مستمر للطيبات وذلك بالاستخدام الأمثل لكل ما سخر الله من موارد 0
إن النظرة الإسلامية للتنمية (العمران) هي نظرة شاملة تتضمن جميع نواحي الحياة المادية والروحية والخلقية وركز على بناء الإنسان كمحور للعملية التنموية ، فالإنسان محورها وهدفها بوصفه الكائن الوحيد في هذا الكون القادر على إحداث تغيير وتطوير، والقيام بعملية تنموية لما في الكون، وذلك بما اختصه به الله سبحانه وتعالى عن بقية الكائنات ، فالإسلام حارب السلوك السيئ مثل الكسل والإتكالية وعدم السعي الذي ينتج عنه التخلف والفقر وهما معيقا لأي عملية تنموية وعمرانية .
فالإسلام حرص على تنمية الإنسان وموارده ليعيش حياة طيبة هانئة مليئة بالإنجاز لينال ثمرة عمله الصالح في الدنيا والآخرة.
فالتنمية في الإسلام هي تنمية شاملة للإنسان والذي يؤدي وظيفته في القيام بأعباء الاستخلاف في الأرض وإعمارها ، لكونه خليفة الله على الأرض وأن الكون سخر له من أجل إعماره أو تنميته وهي أمر واجب على كل مسلم فهي جانب من جوانب العبادة , والتنمية الاقتصادية هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والفرد .
أن الإسلام لا يؤيد" التنمية الرأسمالية التي تضمن حرية الرأي ولا تضمن قوت اليوم" ،و لا يؤيد" التنمية الاشتراكية التي تضمن قوت اليوم ولا تضمن حرية الرأي" .
والإسلام لا يؤيد "التنمية العلمانية التي تتحلل من القيم المسبقة من اجل التعامل البرجماتي النفعي مع الحاجات البشرية ".
فالتنمية في الإسلام تسعى للوصول إلى القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المشكلة الاقتصادية والاجتماعية ، كما وتسعى إلى تنمية المجتمع للنواحي غير المادية من حيث السمو بالأفراد وإعلاء الروابط الإنسانية والتي تحقق بعدها نموا مادياً ( )

السياسية الاقتصادية الإسلامية :

ومن السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة لمواجهة مشكلة الفقر استخدام القطاع العام في المجال الزراعي في توفير أنشطة اقتصادية وفي توفير فرص عمل للفقراء , فالإسلام يوظف تخصيص الموارد الاقتصادية لمواجهة مشكلة الفقر والقضاء عليها
إن السياسة الاقتصادية التي واجه بها الإسلام الفقر الموروث، وذلك باستبقاء موارد اقتصادية في يد الدولة للأجيال القادمة، ليس لها نظير في السياسات الاقتصادية التي هي من وضع الإنسان، وبهذا يتفوق الإسلام تفوقًا لا يملك أحد إنكاره. هذه السياسة الاقتصادية الإسلامية لا تمثل أي عبء على الأغنياء، وبهذا يمول القضاء على الفقر بعيداً عن الأغنياء وبأسلوب متميز، وهذا يوجب الاهتمام بهذه السياسة.
هذه السياسية الاقتصادية الإسلامية تضع الدولة أمام مسؤوليتها الحقيقية عن الفقر.. فهي مسؤولة، وفي يدها الموارد التي تتصدى بها لهذه المســؤولية، وبهذا تسقط ادعاءات العولمة المعاصرة عن عدم مسؤولية الدولة عن الفقر.
والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، في أشد الحاجة إلى هذه السياسة الاقتصادية، وذلك لمواجهة ما يحدث فيه الآن من تمكين فئة محدودة العدد لتضع يدها على الموارد الاقتصادية التي يملكها المجتمع، مع أن هذا ليس حقًا لها، وهي غير قادرة أن تشغلها كلها0
إعطاء الفرص لدمج الفقراء في سوق العمل حيث أن تعامل قطاع الأعمال تجارياً مع الفقراء يسهم في دمجهم في السوق، وهي خطوة أساسية على طريق التخلص من الفقر، وبالنسبة لأصحاب الأعمال والشركات، فهي تحفز الفكر ألابتكاري وتبني الأسواق وتخلق مجالات جديدة للنمو.

الاثنين، 10 مايو 2010

الحل الإسلامي لمشكلة الفقر

قضية الفقر من أصعب القضايا التي تواجهها المجتمعات المعاصرة والتي عانت منها جميع المجتمعات ولكن الإسلام حدد في تعاليمه المنهج الذي يتم به القضاء على الفقر كما وضع التشريع الذي يكفل نجاح النظرية وهو فرض الزكاة على أغنياء المسلمين بقدر معلوم لمساعدة الفقراء0
فالإسلام يقضي على الفقر باستئصال أسبابه لأن الوقاية مبدأ إسلامي أصيل وشامل لا يقتصر على ما يضر الأبدان فقط بل تعتبر الوقاية مرادفة لقاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع , ومن ثم يتضح أن الوقاية في محصلتها النهائية تكون في الحذر مما يؤدي إلى الضرر فكل المبادئ التي تنهى عما يقرب من الحرام أو الفساد أو أهلالحرام أو أهل الفساد تعد وقاية لا تتغير في محصلتها النهائية عن الوقاية في إطارها الطبي المعروف.
إن التشريع الإسلامي يربط بين الشؤون الجسدية والروحية والمادية والمعنوية ربطاً قويا وهذه الأمور مترابطة ومنسجمة مع بعضها البعض ولا يكون بينها انفصال لأن كل ما يتأثر به الجسد تتأثر به الروح.
ومن المعروف أن العقل السليم في الجسم السليم وأن الجسم العليل ليس بإمكانه أن يؤدي مهمة عقلية أو روحية كبيرة ومن ثم يكون المؤمن القوي خيراً وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف فتتعانق القوة الروحية والعقلية للمؤمن مع قوته البدنية ليحققا استقامة المعنى إذا أريد بالقوة المعنى الشامل لها.
وإذا كان هذا هو منهج الإسلام الوقائي في مكافحة الفقر فإن النظام العالمي الجديد الذي جاء ليدعم مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقر في ظله مبدأ التدخل الإنساني، جاء أيضاً ليشهد اتساع مساحة الفقر في العالم، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول البنود الرئيسية التي تتضمنها أجندة النظام العالمي الجديد، إذ إنه لا يمكن الوفاء في ظل تصاعد موجة الفقر بالحاجات الأساسية لنسبة كبيرة من سكان العالم المعاصر
ما هو المنهج الذي تعامل به الإسلام للقضاء أو الحدّ من مشكلة الفقر؟
ونجد أن الإسلام قد اهتم بمشكلة الفقر وحرص على علاجها قبل نشوئها بوسائل وقائية وإذا وقع الفقر وضع لها وسائل لمعالجتها ومنها :
أولاً : الوسائل الوقائية
1- الإيمان: حيث إن الإيمان بأن الله هو الخالق الرازق يدعو الفقير إلى الرضا بما قسمه الله له، وهذا الإيمان يدفعه إلى السعي وراء أسباب الرزق لتحصيل ما كتبه الله له. فقال تعالى:}وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ { (هود: 6)
2- التقوى:إن تقوى الله تفتح له أبواب الخير والرزق من حيث لا يحتسب حيث قال الله } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًاويرزقه مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {(سورة الطلاق الآية 2-3)
3- الشكر: وشكر الله على نعمائه يكون سبباً في زيادة الخير والنعيم قال تعالى} وَإِذْ تَأَذَّن َرَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ { (إبراهيم: 7)
4- الاستغفار: وهو سبب من أسباب البركة من السماء والأرض وزيادة في المال والبنين } فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ { (نوح: 10-12)
5- إعمار بيوت الله بالصلاة والمحافظة عليها، والذكر والدعاء والتسبيح والشكر لله تعالى، فإنه بذلك يفيض الله بنعمه على عمّار بيوت الله بالخير في الدنيا والجزاء في الآخرة حيث قال تعالى: } إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ { ( التوبة: 18)
6- حسن التوكل على الله: قال تعالى: } وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا { (الطلاق : 3)
عَنْ عُمَرَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا (
[1])
7-عدم الإسراف والتبذير : حيث إن التبذير والإسراف سبب من أسباب الفقر في المجتمعات، لأجل ذلك فقد نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير فقال تعالى:} وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { (
[2]) 0
8-الحث على العمل والتكسب:
من الأسباب المباشرة للفقر البطالة وترك التكسب، وهذه الظاهرة قد عالجها الإسلام من عدة جهات منها الحث على العمل والأكل من الكسب الحلال فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوما على المنبر:" اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة" متفق عليه، وقال :« ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده » البخاري . وإيجاب النفقة على العيال مع منع الزكاة عن القوي القادر على الاكتساب لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي » (رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة) دليل يجعل العمل واجباً.
وبالعلم حارب الإسلام الفقر حرباً شديداً، أمر فيها بأهمية العمل و الكسب ووجه إلى أهمية تحصيل الأرزاق ليتم التكافل الاجتماعي
9-إباحة الطيبات المشاعة التي لا مالك لها :
ومن الأمور التي يفترض أن تقلل من مظاهر الفقر أن الله تعالى قد أباح للناس ما على الأرض وفي بطنها وما في البحر وما طار في الجو من الطيبات ما لم يتناولها ملك أحد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (البقرة:168) وقال : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (
[3]) 0
10-تحريم الرذائل الموجبة للفقر :
وتتدخل الشريعة في السلوك الفردي بحيث تحرم بعض التصرفات وبعض الأعمال، التي من شأنها أن توقع الإنسان في الفقر والحاجة بعد أن كان ذال مال، ومن ذلك تحريم تناول المسكرات المذهبة للعقل والمضيعة للمال، ومن ذلك تحريم الميسر أو القمار الذي لا يختلف اثنان أنه من أكبر أسباب الإفلاس والفقر بعد اليسر ، وكذلك حرم التبذير بوضع المال في غير موضعه وإنفاقه في ما لا يحتاج إليه من كماليات، وقد قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)(الإسراء27) وقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (
[4]).
11-تحريم المعاملات التجارية المعمقة لفقر الفقراء :
ذلك أن الشريعة الإسلامية شريعة العدل التي تحفظ حقوق الضعفاء المحتاجين فقد جاء تحريم الربا فيها تحريم قاطعاً، لأنه رمز الدمار ومؤشر خراب الاقتصاد وسبب واضح للفقر ومظهر واضح من مظاهر استغلال حاجة الناس لأكل عرقهم وجهدهم ، وكذلك حُرم الاحتكار بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا يحتكر إلا خاطئ " رواه مسلم، ومعلوم أن الاحتكار مما يسبب الغلاء وعجز الناس عن شراء حوائجهم الأساسية ويكون الثراء لطائفة معينة على حساب أغلب الأمة، وكذلك حرمت الشريعة الضرائب 0
وإذا حققت العناصر المادية المطلوبة شرعاً جاءت العناصر المعنوية كالبركة الربانية والتوفيق الإلهي الذي يسير هذا الكون وما فيه، وقد قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) (
[5]) وقال سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (المائدة 66)[6]
ثانياً : الوسائل العلاجية :
إن من طرق معالجة الإسلام للفقر:
1- تشجيع الناس على مزاولة الأعمال الحرة، وبعض المهن والصناعات كما كان يفعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين أعطوا القدوة والمثل الأعلى في العمل الحر والكسب الحلال. ومن أمثلة ذلك :
‌أ-نوح عليه السلام تعلم صنع السفن، وأمره الله بصنعها في قوله تعالى : } وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ { (هود: 37-38)
‌ب-داوود عليه السلام كان يجيد الحدادة وصناعة الدروع الحربية قال تعالى : } وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ  أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُون بصيرَ{ (سبأ: 10-11) وأخرج البخاري عن أَبُي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ (
[7])
‌ج-موسى عليه السلام الذي أجّر نفسه في رعي الغنم ثماني سنوات لنبي الله شعيب عليه السلام مقابل نكاح إحدى ابنتيه قال تعالى: } قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ  قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ { (القصص : 27-28)
‌د- ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يرعى الغنم ويزاول التجارة بأموال خديجة رضي الله عنها قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وفي الحديث الذي أخرجه البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ(
[8])
فلنا في الأنبياء القدوة الحسنة والصالحة في مزاولة العمل والتجارة ورعي الأغنام وهو من أشرف الكسب وأعظم الحلال لأن ذلك مهنة الأنبياء وفعل المرسلين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وقد حث القرآن الكريم على الكسب الحلال ودل على طرق الرزق وأسباب الغنى بكسب اليد وذلك لأن العمل طريق إلى المجد والرفعة والنهوض بالمجتمع نحو التقدم في كل المجالات.
فمن الآيات التي جاءت ترغب في العمل وتحض عليه:
أ - قال تعالى : } وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ { (التوبة : 105) ( فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله ) يَقُول : فَسَيَرَى اللَّه إِنْ عَمِلْتُمْ عَمَلكُمْ , وَيَرَاهُ رَسُوله والمؤمنون سيرونه في الدنيا، وفيها حث على الإتقان في العمل واستشعار مراقبة الله تعالى في جميع أعمالنا.
ب- وقد أمر الله تعالى بالانتشار في الأرض والسعي والكسب من أجل تحصيل الرزق، قال تعالى: } فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { (الجمعة: 10)
أي: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم ) وابتغوا من فضل الله) أي من رزقه ، وكان عرّاك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.(
[9])
ج – ويقول تعالى : } هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ { (الملك: 15)
فقد ذلل الله تعالى الأرض وسخرها للإنسان ، فالقرآن يذَكّر الناس بهذه النعمة الهائلة، فقد ذلل الله تعالى الأرض للعيش عليها، والتنقل بين جنباتها، فهي مذللة للسير عليها بالفلك التي تمر في البحار، وهي مذللة للزرع والجني والحصاد وقوله (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) فالمناكب هي المرتفعات والجوانب فإذا أذن الله بالمشي في الجبال والمرتفعات فقد أذن بالمشي في البطاح والسهول من باب أولى، والرزق المقصود في الآية ليس هو المال الذي يجده المرء في يده ليحصل على حاجياته ومتاعه، وإنما هو كل ما أودعه الله في هذه الأرض من أسباب الرزق من خيرات ظاهرة وباطنة تشمل بذلك المعادن الكامنة في أعالي الجبال والمخبوءة في جوف الأرض وقد جعل الله الوصول إليها أمراً ممكناً بسبب تذليله للأرض وتسهيله التنقل عليها، والتجول بين جنباتها.
ولقد حثت السنة النبوية الشريفة على العمل ونهت عن التواكل والتكاسل، وقد أخرج البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ(
[10])
فهذا الحديث يبين أهمية العمل وشرفه، وأن الاحتطاب على ما فيه من مشقة وتعب وربح قليل خير من الكسل والقعود عن العمل وسؤال الناس(
[11]).
فالعمل هو إحدى وسائل معالجة الفقر، وبغيره يصبح الإنسان عالة على الناس والمجتمع، فالخطيب حينما يدعو الناس في خطبة الجمعة وفي مواعظه للعمل والكسب الحلال ويرغب في ذلك إنما يساهم في حل مشكلة الفقر التي تنتشر في المجتمعات الإسلامية(
[12]) 0
ومن هنا يأتي دور الرسالات الإسلامية في محاربة الفقر, والإسلام دين عملي , وبالعلم حارب الإسلام الفقر حرباً شديداً، أمر فيها بأهمية العمل و الكسب ووجه إلى أهمية تحصيل الأرزاق ليتم التكافل الاجتماعي0
ولهذا نجد أن الإسلام قد حث على العمل مطلقاً ما لم يكن حراماً أو يؤدي إلى ما حرم الله تعالى. علماً بأن العمل في الدنيا أساس عمارتها وقوام الحياة فيها, وهو ضمان للشرف وأمان من الذلة والمهانة وسبيل إلي الفلاح وحسن المصير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
[1] سنن ابن ماجه، كتاب الزهد ، باب التوكل واليقين ، ح4154
[2] سورة الأعراف: الآية 31
[3] النحل:14
[4] الإسراء29
[5] الأعراف 96
محمد حاج عيسى : مشكلة الفقر وعلاجها في الشريعة الإسلامية : [6]
[7] صحيح البخاري ، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، ح1931
[8] صحيح البخاري، كتاب الإجارة، باب رعي الأغنام على قراريط ، ح 2102.
[9] الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، 18/105.
[10] صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، ح 1932.
[11] محمود عنبر: الإعجاز التشريعي في علاج مشكلة الفقر من منظور قرآني، ، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، 2000م.
[12] رسالة الإسلام في الحد من الفقــر والبطالـة الشيخ الدكتور عمر عبد الكافي
بحث مقدم للمؤتمر الدولي الذي تقييمه وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية بالتعاون مع السفارة البريطانية بعنوان "رسالة السلام في الإسلام"، وذلك في قصر المؤتمرات بدمشق خلال الفترة من 8 – 9 جمادى الثاني 1430هـ - الموافق لـ1 – 2 /6/2009م.

الجمعة، 15 يناير 2010

الداعية يدعو إلى الله في كل الأوقات و في جميع الأحوال والظروف

الداعي يدعو إلى الله في كل وقت وفي جميع أحواله وظروفه:
إن الدعوة إلى الله واجب على المسلم فهو يؤديه بهذا الاعتبار... وواجب الدعوة إلى الله ليس له وقت محدد كالصلاة والصيام، ولهذا فان هذا الواجب يؤديه المسلم في جميع الأحوال والظروف وفي كل وقت يتيسر له فيد أداؤه، قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا... ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } سورة نوح الآية: 5، 9، وكذلك كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (يدعو قومه ليلا ونهاراً وسراً وجهاراً ولم يشغله شيء عن الدعوة إلى الله تعالى)
والواقع أن الداعي إذا كان صادقاً في دعوته منشغلاً بها لا يفكر إلا فيها ولا يتحرك إلا من أجلها ولا يبخل عليها بشيء من جهده ووقته، لم يشغله عنها شاغل أبداً حتى في أحرج الساعات وأضيق الحالات وأدق الظروف، وهكذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقي في طريق بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فيما بين مكة والمدينة، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا وهذا يدل على انه عليه الصلاة والسلام لم يغفل عن الدعوة إلى الله حتى وهو في طريقه مهاجراً إلى المدينة والقوم يطلبونه.
ويوسف عليه السلام عندما دخل السجن مظلوماً لم يشغله السجن وضيقه عن واجب الدعوة إلى الله ولهذا فقد اغتنم سؤال السجينين عن رؤيا رأياها، فقال لهما قبل أن يجيبهما ما أخبرنا الله به { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } سورة يوسف الآية: 39، 40
المطلوب من الداعي أن يدعو إلى الله، وهذا هو الواجب عليه، وليس المطلوب منه أن يستجيب الناس، قال تعالى: { َمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } سورة العنكبوت الآية: 18، فإذا كان الرسول غير مكلف إلا بالتبليغ فغيره من آحاد الأمة أولى أن لا يكلف بغير التبليغ. وتعليل ذلك من وجهين: الأول: أن القاعدة الأًصولية تقول: إن الإنسان لا يكلف بفعل غيره أي لا يكلف أن يفعل غيره فعلا معيناً أو يترك فعلاً معيناً، لأن هذا من قبيل تكليف ما لا يطاق، وإنما يكلف الإنسان أن يفعل هو فعلا معيناً يتعلق بغيره وقد يحمله على الفعل، كالدعوة إلى الله، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمسلم مطالب ومكلف بأن يأمر بالمعروف، وقد يستجيب المأمور فيكون أمر الآمر سبباً لفعل المأمور وقد لا يستجيب المأمور، ولهذا مدح الله تعالى أحد أنبيائه بأنه { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } سورة مريم الآية: 55، فالذي يملكه المسلم ويكلف به أن يأمر غيره بالمعروف ويدعوه إلى عبادة الله ولا يكلف بأن يفعل الغير فعلا معيناً.
الوجه الثاني: إن الاستجابة والهداية بيد الله وحده، فهو الهادي { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ...} سورة المدثر الآية: 31، ولله الحجة على عباده، ولو شاء لهداهم أجمعين، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
أما هداية التبليغ والبيان والدعوة فهي للرسل ولسائر الدعاة، فهم المكلفون بها، قال تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } سورة الشورى الآية: 52، مع قوله في آية أخرى { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } سورة القصص الآية: 56.

وإذا كان المطلوب من المسلم أن يدعو إلى الله وليس المطلوب منه أن يهدي الناس، فعليه أن يستمر على الدعوة بلا كلل ولا ملل ولا فتور لأن واجبه البلاغ والتبيين وهذا متعلق به فعليه أن يؤديه كما يؤدي سائر العبادات، وان لم يستجب له أحد، ألا ترى أن نوحاً عليه السلام لبث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً؟
وهكذا كان رسل الله يدعون أقوامهم مدة حياتهم فمنهم من استجاب له قومه أو بعضهم ومنهم من لم يستجب له أحد. وقال الإمام النووي: "لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فان الذكرى تنفع المؤمنين فإن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول"0
ووجه الدلالة بهذا القول أن الدعوة إلى الله في رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيسري عليها معنى هذا القول.
ومما يؤكد وجوب الاستمرار على الدعوة إلى الله حرمة اليأس، واحتمال الإجابة، لأن الأمور بيد الله وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فلا يستطيع الداعي أن يقطع بعدم الإجابة فيجب عليه الاستمرار بالدعوة والوعظ والإرشاد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

الخميس، 10 ديسمبر 2009

نمرض فنزوركم وتخطئون فنأتي إليكم لنعتذر

سُئل استاذنا الحاج سعد لاشين عن شعاره العملي الذي يبقيى آصرة الأخوة قوية بينه وبين إخوانه؛ فأجاب (نمرض فنزوركم، وتخطئون فنأتي إليكم لنعتذر).
وهي كليمات بسيطة في مبناها، عظيمة في معناها؛ حين تطبيقها، وإلا فأين نضع قول الخالق العظيم عن المؤمنين أنهم ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ (المائدة من الآية 54)، وأين نضع صنيع أبي ذر، عندما وضع خده على التراب ليدوس عليه سيدنا بلال، عندما أصابته كلمة أبي ذر (يابن السوداء) إنه لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
- الذلة على المؤمنين منتهى الإنسانية:
(نمرض فنزوركم، وتخطئون فنأتي إليكم لنعتذر) شعار المؤمن الذي يحب نفسه، إنه يعيش بجسده في الدنيا، وروحه تسرح مع الملأ الأعلى، ذلكم المؤمن صاحب النفس التي عبَّر عنها الشهيد سيد قطب- رحمه الله- في أفراح الروح بقوله: (عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود... أما عندما نعيش لغيرنا (أي عندما نعيش لفكرة)؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!! إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة"، ومن الركائز التي تحقق روح الحب والأخوة:

1- التوقير والتقدير:
وأخي.. إما أن يكون أصغر مني، أو أكبر أو، أسبق مني، أو أحدث؛ وفي كل حال فنحن نجيب النداء الجميل لرسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويؤدي لعالمنا حقه..".

وهو توقير وتقدير خالص لوجه الله- عز وجل- نابغ من شعور كل منهما أنه عبادة لله- عز وجل- الذي ينادي في كتابه العزيز نداءً خالدًا ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران من الآية 103).

والتوقير لا يعني التجهم وعدم الابتسام، بل هو البعد عن روح المزاح المخل الذي يفسد جو الإخاء، بل المزاح الذي لا يخرج عن روح الوقار، والذي علمنا ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا؛ فيجعل المؤمنين يتلاقون على العمل للإسلام لأعلى مؤانسة الطبع.

2- التعامل بالعاطفة الأخوية قبل اللوائح:
وما أجمل قول القائل تعليقًا على اللائحة أن هناك لائحة مكتوبة ولائحة غير مكتوبة، واللائحة غير المكتوبة هي لائحة الأخوة والحب في الله؛ لأن الأخوة من أركان العمل للإسلام، ونجد الإمام البنا- رحمه الله- يجعلها ركنًا من أركان البيعة العشرة.
ويصفها بأخوة الإيمان، وأعلاها مرتبة الإيثار، ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر)، وأوفى مراتبها سلامة الصدر.
وأخطر مرض يؤثر على العمل الإسلامي هو الفرقة، والخلاف خاصة، ونحن في وقت يتكالب فيه جميع أعداء الإسلام على المسلمين، ولا يجب أن يستغل الأخ عاطفة الأخوة ويقصر في واجباته، وإلا كانت فوضى تؤدي إلى صف هش.

خاصة أن الذي يجازي على العمل هو الله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران).

3- حسن الظن:
والأصل في العلاقة بين المؤمنين هو حسن الظن ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (الحجرات: من الآية 12)، وحسن الظن يخلق جو الحب والتعاون، ويزيد الصف قوة والعمل إنجازًا ونجاحًا، وما أحسن ذلك الرد الذي قاله طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حين سأل في تبوك ما فعل كعب بن مالك؟ فقال أحد الصحابة حبسه برداه، والنظر في عطفية يا رسول الله؛ فقال طلحة رضي الله عنه: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، يقول كعب بن مالك بعدها فوالله ما أنساها لطلحة، تخيل أخي الحبيب صفًا يدين بعضه لبعض بحسن الظن ورد الغيبة والدعاء بظهر الغيب؛ كيف يكون حاله وما قدرة أعدائه عليه إنها صورة مشرفة (نمرض فنزوركم، وتخطئون فنأتي إليكم لنعتذر).

4- التزاور والتفقد:
لا يمكن لعقد الأخوة أن ينعقد في قلوب العاملين للإسلام ما دامت العلاقة بين الأفراد؛ هي علاقة موظفي الحكومة، أو علاقة الالتقاء على الأعمال الإدارية، دون التواصل والتفقد والتزاور في الله- عز وجل-؛ لأنه ما دام هناك أعمال ونقاش وحوار، لا بد من اختلاف في وجهات النظر، وهذا من مظاهر الصحة؛ ولكن هذا الاختلاف ينشأ بين نفوس بشرية قد تتعرض لحسن الظن أو إساءة الظن، وهذه من نزغات الشيطان العارضة التي لا يخلو منها أي تجمع، فيأتي التزاور والتواصل فيصف هذه النزغات، وينقي القلوب أولاً بأول من الشوائب، وإلا فأين نضع النداء العلوي الرائع للمولى- عز وجل- على عباده يوم القيامة "أين المتحابون فيَّ؟ أين المتزاورون فيَّ؟ أين المتباذلون فيَّ؟ اليوم أظلهم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي".

وأين نضع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعرض لأصحابه العاملين لدين الله- عز وجل- صورة الرجل الذي أرسل الله على مدرجته ملكًا، يسأله أين تريد فيخبره أنه ذاهب لزيارة أخيه في الله لا لتجارة أو لنسب وما أخرجه إلا الله عز وجل؟ فيخبره الملك أن الله يحبه لحبه لأخيه.

أما أن نجد الأخوين لا يعرف أحدهما عن أخيه إلا أنه يحضر معه اللقاء "الفلاني"، وينصرف كل منهما إلى حال سبيله، فلا هو عرف أخبار أولاده ووالديه ومشاكله، وشاركه سراءه وضراءه، وخفف عنه، وتعارف أبناء كل منهما في زيارات متبادلة، (وتعارف كما ينبغي) ينشأ عنه المجتمع القدوة لبنة المجتمع الإسلامي الكبير الذي ننشده.

5- استواء العمل في المقدمة أو في أواخر الصفوف.
الأصل أن الذي يعمل في دعوة الله- عز وجل- هو جندي متعبد لله، يعلم فيها بيقظة في ظل مظلة الشورى والأخوة والطاعة المبصرة، والعمل في جماعة في أي موقع؛ هو عبادة، وبقدر إخلاص التوجه لله- عز وجل- بقدر الأجر والثواب (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، إن كان في المقدمة كان في المقدمة، وإن كان في الساقة كان في الساقة...).
ومن العلامات التي تميز المؤمن أن يفرح لكل ذي كفاءة، يظهر في الصف، ذكر الفيضل بن عياض رحمه الله أنه (يفرح بنمو أقرانه)، أما المنافق (يفرح بسماع عيوب أقرانه).

ومن حسن الفهم أن يعرف الأخ القائد أنه لن يظل قائدًا إلى الأبد، أو أن أخاه الجندي لا يصلح إلا للجندية إلى الأبد، بل يجب عليه أن يعد نفسه للقيادة إذا طُلب إليه ذلك، أو اضطر إليها.

6- هيا بنا نضحك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حديث جميل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له أضحك الله سنك، ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ قال:"رجلان من أمتي جثيا بين يدي الله- عز وجل- فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من هذا؟ فقال الله- عز وجل-: رد على أخيك مظلمته فقال: يا رب لم يبق من حسناتي شيء، فقال الله- عز وجل-: لم يبق من حسنات أخيك شيء؛ فقال: يا رب فليحمل عني من أوزاري"، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "ذلك يوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم؛ فنظر صاحب المظلمة: فرأى قصورًا من لؤلؤ مكللة بالياقوت والزبرجد؟
فدهش: وقال يا رب لمن هذه لأي نبي أو لأي شهيد؟ قال الله- عز وجل-: هذه لمن دفع الثمن قال: ومن يملك الثمن يا رب قال الله- عز وجل-: أنت بعفوك عن أخيك، قال: يا رب عفوت عنه، عفوت عنه، عفوت عنه، قال الله- عز وجل-: خذ بيد أخيك إلى الجنة" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، أي سعادة بهذا النهاية السعيدة لهذين الرجلين من أمته

هذا لرجلين متظالمين (ظالم ومظلوم)، بينهما مظلمة، فكيف برجلين بينهما دعوة وحركة لرفع راية الإسلام.. أخي الحبيب ليكن شعارنا (نمرض فنزوركم، وتخطئون فنأتي إليكم لنعتذر).