الجمعة، 25 أبريل 2008

من صفات المؤمنين الثبات

أخبر الله تبارك وتعالى عباده بأن الثبات صفة كريمة من صفات المؤمنين,تتحقق لهم عن طريق الاهتداء بهدي القرآن المجيد,وبالاقبال على طاعة الله والاعتصام بحبله وهداه,فقال في سورة النحل: " قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين"وقال في سورة محمد : "ياايها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ".ومتى منّ الله تعالى على عباده بالتثبيت فقد تحقق لهم الثبات .
يقول العلامة محمد أحمد الراشد: "المؤمن من الداعاة أهون عليه ألف مرة أن يخلع أضلاعه ضلعًا ضلعًا، وأن يأكل تراب الأرض من أن يتخلى عن دعوته وعقيدته أو يتراجع عن قضية آمن بها أو قبل المساومة على فكرته التي بلغت عنده حد اليقين؛ لأن في ذلك تنازلاً عن جوهر نفسه كإنسان؛ ولأن الفكرة التي تتملك بيقينها المؤمن تتحول عنده إلى قيمة الحياة ذاتها " .
ـ والثبات في كل معانيه صعب يقول الإمام ابن القيم: "ليس في الجود شيء أصعب من الثبات والصبر إما عن المحبوب أو على المكروهات وخصوصًا إن امتد الزمان ووقع اليأس من الفرج، وتلك المدة تحتاج إلى زاد يقطع بها سفرها، والزاد هنا الثبات على حكم الله وقضائه وابتلائه
قال صاحب الظلال رحمه الله : إن الثبات أحد تكاليف الإيمان والإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء ومسؤوليات وجهاد يحتاج إلى صبر واحتمال
وليعلم الدعاة أن طريقهم طويل وشاقّ قد سُفكت عليه الدماء، ودُقَّت فيه الأعناق، وتقطَّعت المفاصل، وزهقت الأرواح، ولعلهم يعلمون ذلك منذ وضعوا أول أقدامهم عليه وبصروا بما هم مقبلون له، واستبانوا الطريق الذي سار عله من سبقهم ولعلهم قرأوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم أثرهم .لا بد من ابتلاء :ولا مفر من الابتلاء على الطريق { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [ آل عمران: 142 ].. { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ } [ البقرة: من الآية 155].. ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء ) . وهي سنة الله في الجماعة العاملة "هذا هو الطريق الذي صنعه الله للجماعة المسلمة الأولى وللجماعة المسلمة في كل جيل.. إيمان وجهاد.. ومحنة وابتلاء.. وصبر وثبات وتوجُّه إلى الله وحده ثم يجيء النصر.. ثم يجيء النعيم والبلاء بالخير والشر.. { وَنَبْلُوْكُم بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِتْنَةً } .. فلا يقتصر على السجون وغيابها أو المطاردة ومخاطرها.. كلا.. ابتلاء الخير أشد ألف مرة.. والثبات على الحق عند حضوره أصعب ألف مرة.
ولابد أن يعرف الدعاة إلى الله أن الثــــــــــبات هبة إلهية ترى ما مؤهلات الثبات ؟ ومن يستحق الثبات ؟ "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ". "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً". وجاء السؤال بطلب الثبات: "قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب".
* وإليك أخى الحبيب المواطن التي يلزم فيها الثبات:
1- الثبات على الدين:
روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، ثم قال رسول الله : ((اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)). ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجثتت من فوق الأرض ما لها من قرار.
2- الثبات في الفتن:
روى مسلم وأحمد عن حذيفة: قال:قال رسول الله ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره الفتنة مادامت السماوات والأرض والآخر مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب هواه)).
والفتن أنواع:
1- الجاه:
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا. روى أحمد عن كعب بن مالك: قال:قال رسول الله ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).
2- فتنة الزوجة والنساء:
اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة. إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم. روى مسلم عن أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة كانت في بني إسرائيل في النساء)). وفي مسند أبي يعلى عن أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((الولد مجبنة مبخلة محزنة)).
3- فتنة الاضطهاد والطغيان والظلم:
قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ـ إلى قوله ـ شيء شهيد. روى مسلم في حديث خباب: ((شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه)).
4- فتنة الدجال:
روى ابن ماجه وغيره من حديث أبي أمامة قال:قال رسول الله ((يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله آدم أعظم من فتنة الدجال..)). ((يا عباد الله: أيها الناس فاثبتوا، فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي..)).
5- فتنة المال:
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة.
وكذلك أوجب الله على الفئة المؤمنة الثبات في الجهاد. "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون". "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ينصركم ويثبت أقدامكم. إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان".
روى البخاري من حديث البراء بن عازب: كان النبي ينتقل التراب يوما لخندق حتى أغمر أو اغبر بطنه يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينـا إذا أردوا فـتنة أبينـا
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.
كما أن الثبات على المنهج مطلوب من أهل الحق والمنهج لغة: هو الطريق الواضح البين. وأقصد: الثبات على منهج أهل السنة والجماعة، وهذا يعم العقيدة والعبادات والسلوك والأخلاق. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
ولقد اقتضت حكمته تبارك وتعالى أن يلحق بالجماعة المؤمنة ابتلاءاتٍ وامتحاناتٍ لتمحيص تلك الفئة، وتأكيد وتوطيد عرى العقيدة في القلوب والأفئدة، لمَ لا والثمن هو الجنة؟! لم لا والثمن غالٍ يقتضي من المسلم التحلِّي بالصبر والثبات في زمن نَدُرَ فيه الصبر وضَعُفَ فيه الثبات؟!.. إنه زمنٌ القابض فيه على دينه كالقابض على جمرةٍ من نار؛ يعيش فيه المسلم غريبًا بين أهله وفي وطنه مضطهدًا، يتلقَّى التُّهَم تلو التُّهَم بلا جريرةٍ أو ذنبٍ اقتُرف، وإنما هي اتهاماتٌ باطلةٌ؛ فمن تهمِ الانتماء إلى جماعة محظورة كما يزعمون، إلى تآمرٍ على نظام حكمٍ في سيل من الافتراءات.
وفي هذه الظروف الراهنة التي أُعلن فيه العداء للإسلام بشتى الصور؛ حروب معنوية واقتصادية وعسكرية وإعلامية؛ بهدف بثِّ رُوح الانهزامِ والاستكانة في هذه الأمة، وفي خضمِّ هذه الأحداث الجارية من محاكماتٍ عسكرية واعتقالاتٍ يجب أن نستلهم تلك الأحداث ونستحضرها.
فنتذكَّر ما حدث للأولين من الصحابة الكرام، وما تعرَّضوا له في سبيل الدعوة؛ فطريق الدعوة شاقٌّ يقتضي تضحيات وتضحيات، ويتطلَّب ثباتًا وعزيمةً لا تفتر، وصبرًا وإيمانًا قويًّا صلدًا لا يَفتُّ في ساعده اعتقال أو محاكمة، عسكرية كانت أو مدنية؛ فكل ذلك يهون في سبيل حراسة العقيدة والدفاع عن ثوابت الأمة في زمنٍ اهتزَّت فيه الثوابت، وتكالبت علينا الأمم، حتى أصبحنا في خندق الدفاع دائمًا ليس مع أعداءِ الدين من الخارج، وإنما مع أهلنا في الداخل مع مَن ينتمون لهذا الدين وينتسبون له.
وأخيرا نختم هذه الكلمات بأن نسأل الله الثبات حتى الممات:
"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة.".

ليست هناك تعليقات: